في أحد الأحياء القديمة، كان هناك شاب يُدعى سامي وفتاة تُدعى ليلى. تعرّفا على بعضهما في مقهى صغير حيث اعتادا أن يلتقيا كل مساء بعد انتهاء يوميهما المزدحمين. كان سامي رجل الكلام الساحر، يتقن الحديث عن كل شيء تقريبًا، من الكتب التي قرأها إلى أفلام السينما التي شاهدها، أما ليلى فكانت تستمتع بالاستماع له بشغف، لكنها لم تكن تقيم حديثًا بلا نهاية.
مع مرور الوقت، تعززت علاقة الصداقة بينهما، وأصبحا يتشاركان أحلامهما وطموحاتهما بعمق، ولكن كان هناك نوع من الصمت غير المريح يخيّم أحيانًا على اللقاءات، صمت ينبع من إحساس خفي لم يُعبَّر عنه. كان كلٌ منهما يشعر بذات الرغبة في تقارب أكثر من الكلمات، رغبة تفوق القدرة على التعبير، لغة تختصرها النظرات واللمسات الخفيفة.
في ليلة من الليالي، بينما كان القمر ينساب بنوره الفضي في السماء، جلسا معًا على شرفة المقهى، وارتسمت على وجهيهما ابتسامة تتحدى الصمت. لم يكن هناك ما يُقال، إذ أدرك الاثنان أن الرغبة الداخلية التي تربطهما أقوى من كل الكلمات التي يمكن نطقها.
حينها، أدركا أن الحديث قد يصبح كسيرًا أحيانًا أمام قوة المشاعر التي لا تحتاج إلى شرح، وتعلم سامي وليلى أن المشاعر يمكن أن تعبر عن نفسها بصمت أعمق من الكلمات، وأن اللقاء الحقيقي لا يُقاس بثرثرة الحديث، بل بصدق النية وقوة الإحساس المشترك.
وهكذا، أصبحا يتواصلان ليست بالكلام، بل بقلوب تفيض برغبة اللقاء والحضور، حيث تجاوزا حدود الكلمات إلى عالم يحكمه الإحساس والمشاركة الصامتة، عالم تدرك فيه الرغبة أن تكون أقوى من الكلام، وبهذا الفهم العميق، استمر حبهما يكبر وينمو، بعيدًا عن الحواجز اللفظية، ليكون لقاءهما شهادة صامتة على لغة المشاعر التي لا تموت.