في أحد أركان المدينة الصغيرة، حيث تلتقي الأزقة القديمة بمذاق الزمن البسيط، كان هناك مقهى صغير يعزف على أوتاره نغمات الماضي الداكن. جلس سامر ونورا على الطاولة الخشبية المقابلة للنوافذ التي تطل على شارع تغمره أضواء المصابيح الصفراء الخافتة. بينهما كانت مسافة ليست بعيدة، لكن قلبيهما كانا قريبين جداً رغم مرور السنوات.

كانت الأغنية القديمة التي انطلقت من مكبر الصوت في المقهى تحمل بين نغماتها ورقات الذكريات التي ظنّا أنها اندثرت. كانت تلك الأغنية التي تعود إلى أيام الشباب، حين كانت الأحلام بسيطة والقلوب ملأى بالأمل. بدأ سامر يتذكر كيف استمع إلى تلك الأغنية مع نورا في أمسيات الصيف، حين كان صوتها يرافق كلماتها ألحاناً تعانق السماء.

علقت نورا بنظرة تأملية، وشعرت بدفء يتسلل إلى قلبها مع كل حرف من كلمات الأغنية. تذكرت الأيام التي كانت تجلس فيها بجواره تحت ظلال الأشجار، يتبادلان الهمسات ويضحكان بلا حساب، بعيداً عن صخب الحياة وضغوطها. كانت تلك اللحظات تحمل براءة الزمن وجماله الهادئ.

تلاشى الزمن بين نغمات الأغنية، وأعاد لهما الحنين الذي كان كموجة هادئة تهب على شواطئ الأرواح. لم يكن الحنين مجرد تذكر، بل كان لقاءً جديداً بين الذكريات والواقع، بين الماضي والحاضر، بين قلوب ظنّت أنها تفرقت ولم تزل تنبض معاً.

في دقائق صمت بعدها، تشارك الاثنان ابتسامة مليئة بالامتنان لتلك الأغنية التي أعادت لهما لحظة لم تكن مجرد ذكرى، بل شعور حي ينبض في أعماق القلب، يحمل بين طياته وعداً بأن ما قديم لا يموت، بل يعيش في الألحان والذكريات التي تجمعنا.

من lakhe