حين عاد الحنين أقوى من أي وقت مضى
في زوايا قلبه العميقة، حيث تتوارى الذكريات بين طيات الزمن، عاد الحنين ليطرق بعنف أكبر من أي وقت مضى. لم يكن الحنين مجرد شعور عابر، بل كان موجة مدّ وجزر تأسر وجدانه وتعيده إلى أيام كانت تملؤها البراءة والأمل. تلك اللحظات التي مضت، لكنها بقيت محفورة في روحه كما النقش على الحجر.
كان يجلس وحيداً في غرفته، ينظر عبر النافذة الصغيرة التي تطل على الشارع المزدحم. في الخارج، كانت الحياة تسير بوتيرتها المعتادة، أناس يلهثون خلف مهامهم، ولكن قلبه كان يتوق إلى شيء أبعد، شيء لا يمكن للزمان أن يمحوه. صور الماضي تتابعت في ذهنه؛ لحظات الضحك مع الأصدقاء، كلمات الوداع التي لم تُقل، ولمحات الحنين التي لم تعترف بها كلمات.
كلما عاد إليه هذا الشعور، شعر بأنه يعود إلى ذاته الحقيقية، إلى ذلك الجزء منه الذي ضاع في عواصف الحياة اليومية. كان يعرف أن الحنين لا يعني فقط الرغبة في العودة، بل هو أيضاً دعوة للتوقف، للتأمل، ربما لإعادة ترتيب أولوياته. فحين عاد الحنين أقوى من أي وقت مضى، كان ذلك بمثابة جرس تنبيه، يخبره بأن الوقت قد حان ليصافح ماضيه ويبحث عن المعنى في الحاضر.
في تلك الليالي الطويلة، حيث السكينة تتسلل إلى الأجواء، جلس يحكي لنفسه قصص الماضي وكأنها أصدقاء قدامى عادوا ليزوروه. استمع إلى صدى ضحكات وأحاديث قديمة، وشعر بأن الحنين كان رسولا يحمل بين أجنحته أمل اللقاء وتجديد الحب للحياة وللأشخاص الذين صنعوا منه ما هو عليه.
وهكذا، في قوة الحنين، وجد القوة ليغفر ويرحل، ليبدأ صفحة جديدة تنبض بالدفء والصدق، صفحة تحمل بين سطورها وعداً بأن الذكريات الجميلة ليست سوى بداية لفصول قادمة أجمل.