في عالمنا اليوم، قد تبدو مسألة الغياب الطويل أمراً صعباً ومؤلماً، خاصة عندما يتعلق الأمر بفقدان شخص عزيز أو غياب تجربة مهمة عن حياتنا. إلا أن هناك قصصاً كثيرة تُثبت أن الغياب يمكن أن يتحول إلى شرارة تشعل في القلب شغفاً لا يهدأ، يدفع الإنسان نحو التغيير والنمو والابتكار.
نروي قصة “ليلى”، فتاة كانت لها علاقة وثيقة بصديقة طفولتها “سارة”. عاشت مع سارة أجمل لحظات الطفولة والمراهقة، وتشاركتا الأحلام والأسرار. لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد انتقلت سارة إلى مدينة أخرى بسبب ظروف عائلية، وودّعت ليلى وقطعت الاتصال فجأة. شعرت ليلى بفراغ كبير وكأن جزءاً من روحها قد غاب إلى الأبد.
في البداية، غلبها الحزن والاشتياق، ولم تكن تعرف كيف تعبّر عن شعورها العميق بالوحدة. لكنها سرعان ما أدركت أن هذا الغياب الطويل يمكن أن يكون فرصة لتحويل ألمها إلى قوة دافعة. بدأت ليلى توثيق مشاعرها عبر الكتابة، وتحمّست لاكتشاف موهبة جديدة كانت موجودة بداخلها دون أن تعرفها. كتبت قصصاً مستوحاة من ذكرياتها مع سارة، وحولتها إلى روايات صغيرة تنشرها على الإنترنت.
لم تكن ليلى تدرك أن هذه الكتابات ستغيّر مجرى حياتها. سرعان ما لاقت قصصها إقبالاً كبيراً من القراء الذين وجدوا في كلماتها صدقاً وعذوبة تعبّر عن وجع الفراق وأمل اللقاء. تحولت الكتابة لشغف مشتعل يشعل قلبها كل يوم، ويشعرها بالاتصال مع صديقتها، رغم البعد الجغرافي والغياب الطويل.
بل إن ليلى توسعت في رحلتها الإبداعية، فتعلمت الرسم لتزيد من جماليات قصصها، وشاركت في ورش عمل أدبية وفنية. كان الغياب الطويل لسارة هو الدافع الأول لهذه الرحلة الساحرة داخل أعماق نفسها، رحلة اكتشاف الذات وتنمية المواهب.
هذه القصة تذكّرنا جميعاً بأن الغياب، مهما طال وعمق، ليس نهاية لعلاقة أو حالة. بل قد يكون بداية لفصل جديد من الشغف والإبداع، لأن القلب حين يفتقد، يبحث عن طرق جديدة ليعبّر عن نفسه، ويشتعل بنار العزيمة والأمل. الغياب الطويل لا يمنع اللقاء مع الذات، بل يسمح لنا بشغف أعمق وأكثر وضوحاً، شغف يحوّل الألم إلى نور، والفراغ إلى حياة متجددة.