في إحدى الليالي الشتوية الباردة، انطفأت الأنوار في كل أنحاء المدينة فجأة، تاركة العتمة تملأ الأرجاء. كانت الكهرباء قد انقطعت بسبب عاصفة قوية هزت المكان، ولم يكن هناك من وسيلة للاتصال بالعالم الخارجي. في المنزل الصغير الذي تجمع فيه “سعد” و”ليلى”، شعر الاثنان بفراغ غريب يغمر المكان، لكنه لم يكن مجرد فراغ ما بين جدران البيت، بل فراغ في الروتين الذي اعتادا عليه.
كانت أنوار المدينة تتلاشى واحدة تلو الأخرى، ولكن شيئًا ما بدأ يتوهج في داخل قلبيهما في تلك اللحظة. اضطر سعد إلى البحث عن شمعة قديمة وجدتها ليلى في الدرج، وأشعلها بحذر. بدأ الضوء الخافت يملأ الزوايا، ومعه بدأ الدفء ينمو بينهما.
جلسا قريبين من بعضهما، يتبادلان الحديث بصوت هادئ، وكأن لهذه الليلة طقوس خاصة. دون ضجيج التكنولوجيا، استطاعا سماع أنفاس بعضهما وقصص الأيام التي مرّ بها كل منهما، تلك اللحظات التي لم يكن لهما وقت لها وسط صخب الحياة اليومية.
وقد كانت العتمة فرصة لرؤية بعضهما كما هو، بلا أقنعة ولا كلمات معدة مسبقًا. تحدثا عن أحلامهما، عن مخاوفهما، وعن الأشياء البسيطة التي كانت تسرهما. انسكب الضوء الدافئ على وجهيهما، ومعه أشعلت نظراتهما شعلة جديدة من التفاهم والمحبة.
في تلك الليلة، لم تكن الكهرباء سببًا للقلق، بل كانت فرصة لامتلاك لحظة حقيقية من التواصل العميق.علما أن الضوء الحقيقي لا يأتي فقط من المصابيح، بل ينبعث من القلوب حين تلتقي صادقة، حتى وإن كانت الليلة بلا كهرباء.